الفرق بين رسم ( لكيلا ) و ( لكي لا ) في القرآن الكريم
ورد تعبير ( لكي لا ، لكيلا ) 7 مرات في القرآن الكريم كله ، 4 مرات برسم ( لكيلا ) و مرتين برسم ( لكي لا ) ومرة واحدة برسم ( كي لا ) . ولا تعنينا هنا اللام بقدر ما سنتحدث عن الفرق الدقيق في المعنى بين اللفظة وهي متصلة الرسم ( لكيلا ) ومنفصلة الرسم ( لكي لا ) . وجدير بالذكر أنك لن تجد في تفسير السلف الصالح للقرآن الكريم من فرّق بين المعنى الدقيق الذي تؤديه اللفظة متصلة ( لكيلا ) وبين المعنى الدقيق الآخر الذي تؤديه اللفظة منفصلة ( لكي لا ) ، حيث اعتبرها المفسرون ذات معنى واحد . وجدير بالذكر كذلك أن الاختلاف في رسم الكلمة الواحدة في القرآن الكريم – وهو المحفوظ قراءة ورسماً - لا بد أن يكون معه اختلاف طفيف في المعنى يؤديه الرسم المناسب .
ففي الآيات التي رسمت فيها اللفظة منفصلة ( لكي لا ) نجد الآية تتحدث عن أشياء منفصلة ومتنوعة ، أما الآيات التي رسمت فيها اللفظة متصلة ( لكيلا ) فنجد الآية تتحدث عن شيء واحد غير منفصل ولا متعدد ، فنجد في الرسم المنفصل :
( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر : 7 .
فالآية تتحدث عن توزيع الفيء على أكثر من آخذ ، فهو لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ولذلك جاء الرسم فيها منفصلاً ( كي لا ) ليعبر عن آخذين كثر ، ولو كان الفيء مخصصاً لجهة واحدة فقط لجاء الرسم ( كيلا ) .
ونجد في الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) الأحزاب : 37 .
في هذه الآية نجد ( لكي لا ) منفصلة الرسم ، لأنها تنفي حرجاً قد يحدث للمؤمنين جميعاً ، وهم كثر ، (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ) . أي حرج عند هذا وحرج عند ذاك .
بينما نجد ( لكيلا ) متصلة الرسم وهي تنفي حرجاً قد يصيب الرسول عليه السلام وحده ، وذلك في الآية
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب : 50 .
فقوله تعالى (لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) يعني حرجا واحداً لشخص واحد هو الرسول عليه السلام ، ولذلك جاء الرسم متصلاً ( لكيلا ) .
أما الآية (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) آل عمران : 153 .
فتنفي الحزن عن المؤمنين على شيء واحد وهو ما فاتهم من النصر ، ولأنه شيء واحد فقد جاء الرسم متصلا ( لكيلا ) . ومثله في الآية (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ ) لأن السياق يتحدث عن قانون إلهي واحد غير منفصل وهو أن أية مصيبة تصيب الناس فهي مسجلة في كتاب عند الله من قبل أن يبرأها
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ23 ) الحديد .
وهناك آيتان على درجة عالية من الدقة وردت اللفظة في إحداهما متصلة ( لكيلا ) في قوله تعالى
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) ،
ووردت في الأخرى منفصلة ( لكي لا ) في قوله تعالى
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ) .
أما الأولى المتصلة فقد وردت في سياق تفصيلي لإثبات طلاقة قدرة الله تعالى على الخلق والبعث بعد الموت وكذلك طلاقة قدرته تعالى على تغيير الصيرورة من شيء الى شيء آخر
(يأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) ) الحج .
فالآية تتدرج في وصف تغيير الصيرورة فبعد أن كان الإنسان تراباً صار نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة ثم صار طفلاً ثم صار رجلاً ثم صار ميتاً أو صار معمّراً فصار غير ذي علم من بعد أن كان عليماً ، فالعلم هنا مطلق أي أنه صفة كانت موجودة في الإنسان ثم زالت . وهذا يعني أن الحديث عن صفة واحدة هي العلم أو الفهم الذي انتفى بعد بلوغ الإنسان أرذل العمر . ولذلك جاء الرسم متصلاً ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً ) .
وأما الثانية المنفصلة ( لكي لا ) فجاءت في سياق الحديث عن علم الله تعالى وقدرته وذلك في سياق مختزل ويدل على أن الإنسان مهما بلغ من تنوع في أنواع العلوم المختلفة والقدرة على تسخير أنواعها المختلفة فهو لا شيء أمام قدرة الله تعالى وعلمه ، فالله هو المتصرف في خلق الإنسان وفي توفيه وفي رده الى أرذل العمر لكي لا يعود يذكر شيئاً من أنواع العلوم الكثيرة المتنوعة التي كان يعلمها
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) النحل : 70 .
ونلاحظ أن الآية تذكر علم الله تعالى وقدرته وأن علمه باق وقدرته باقية في حين أن علوم الإنسان المختلفة ينتفي وجودها في الإنسان حين يبلغ أرذل العمر . وإذاً فنفي العلم عن الإنسان هنا جاء لينفي علوماً كثيرة كان الإنسان يعلمها ولذلك جاء الرسم منفصلاً ( لكي لا ) لأن العلوم الكثيرة التي كان يعلمها متنوعة ومنفصل بعضها عن بعض .
وعليه فآية سورة الحج تنفي صفة العلم عمن يرد الى أرذل العمر (من بعد ) أن كان يعلم . بينما آية النحل تنفي أنواعاً من العلوم عمن يرد الى أرذل العمر ( بعد ) أن كان يعلم علوماً كثيرة متنوعة .
ففي الآيات التي رسمت فيها اللفظة منفصلة ( لكي لا ) نجد الآية تتحدث عن أشياء منفصلة ومتنوعة ، أما الآيات التي رسمت فيها اللفظة متصلة ( لكيلا ) فنجد الآية تتحدث عن شيء واحد غير منفصل ولا متعدد ، فنجد في الرسم المنفصل :
( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر : 7 .
فالآية تتحدث عن توزيع الفيء على أكثر من آخذ ، فهو لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ولذلك جاء الرسم فيها منفصلاً ( كي لا ) ليعبر عن آخذين كثر ، ولو كان الفيء مخصصاً لجهة واحدة فقط لجاء الرسم ( كيلا ) .
ونجد في الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) الأحزاب : 37 .
في هذه الآية نجد ( لكي لا ) منفصلة الرسم ، لأنها تنفي حرجاً قد يحدث للمؤمنين جميعاً ، وهم كثر ، (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ) . أي حرج عند هذا وحرج عند ذاك .
بينما نجد ( لكيلا ) متصلة الرسم وهي تنفي حرجاً قد يصيب الرسول عليه السلام وحده ، وذلك في الآية
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب : 50 .
فقوله تعالى (لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) يعني حرجا واحداً لشخص واحد هو الرسول عليه السلام ، ولذلك جاء الرسم متصلاً ( لكيلا ) .
أما الآية (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) آل عمران : 153 .
فتنفي الحزن عن المؤمنين على شيء واحد وهو ما فاتهم من النصر ، ولأنه شيء واحد فقد جاء الرسم متصلا ( لكيلا ) . ومثله في الآية (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ ) لأن السياق يتحدث عن قانون إلهي واحد غير منفصل وهو أن أية مصيبة تصيب الناس فهي مسجلة في كتاب عند الله من قبل أن يبرأها
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ23 ) الحديد .
وهناك آيتان على درجة عالية من الدقة وردت اللفظة في إحداهما متصلة ( لكيلا ) في قوله تعالى
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) ،
ووردت في الأخرى منفصلة ( لكي لا ) في قوله تعالى
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ) .
أما الأولى المتصلة فقد وردت في سياق تفصيلي لإثبات طلاقة قدرة الله تعالى على الخلق والبعث بعد الموت وكذلك طلاقة قدرته تعالى على تغيير الصيرورة من شيء الى شيء آخر
(يأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) ) الحج .
فالآية تتدرج في وصف تغيير الصيرورة فبعد أن كان الإنسان تراباً صار نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة ثم صار طفلاً ثم صار رجلاً ثم صار ميتاً أو صار معمّراً فصار غير ذي علم من بعد أن كان عليماً ، فالعلم هنا مطلق أي أنه صفة كانت موجودة في الإنسان ثم زالت . وهذا يعني أن الحديث عن صفة واحدة هي العلم أو الفهم الذي انتفى بعد بلوغ الإنسان أرذل العمر . ولذلك جاء الرسم متصلاً ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً ) .
وأما الثانية المنفصلة ( لكي لا ) فجاءت في سياق الحديث عن علم الله تعالى وقدرته وذلك في سياق مختزل ويدل على أن الإنسان مهما بلغ من تنوع في أنواع العلوم المختلفة والقدرة على تسخير أنواعها المختلفة فهو لا شيء أمام قدرة الله تعالى وعلمه ، فالله هو المتصرف في خلق الإنسان وفي توفيه وفي رده الى أرذل العمر لكي لا يعود يذكر شيئاً من أنواع العلوم الكثيرة المتنوعة التي كان يعلمها
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) النحل : 70 .
ونلاحظ أن الآية تذكر علم الله تعالى وقدرته وأن علمه باق وقدرته باقية في حين أن علوم الإنسان المختلفة ينتفي وجودها في الإنسان حين يبلغ أرذل العمر . وإذاً فنفي العلم عن الإنسان هنا جاء لينفي علوماً كثيرة كان الإنسان يعلمها ولذلك جاء الرسم منفصلاً ( لكي لا ) لأن العلوم الكثيرة التي كان يعلمها متنوعة ومنفصل بعضها عن بعض .
وعليه فآية سورة الحج تنفي صفة العلم عمن يرد الى أرذل العمر (من بعد ) أن كان يعلم . بينما آية النحل تنفي أنواعاً من العلوم عمن يرد الى أرذل العمر ( بعد ) أن كان يعلم علوماً كثيرة متنوعة .
إذا أعجبك هذا المقال فالرجاء عمل مشاركة .
تعليقات
إرسال تعليق